11‏/08‏/2008

الابتلاء الكوني القدري

اعلم رحمك الله ان الله تعالي الذي خلقنا و الذي خلق السماوات و الارض و الذي زين الارض و خلق كل شيء فقدره تقديرا بين لنا تعالي انه ما خلقنا و ما خلق السماوات و الارض و ما خلق الموت و الحياة الا ليبتلينا اينا احسن عملا .
قال تعالي في سورة هود :(وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [هود : 7])
و قال تعالي في سورة الكهف :( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الكهف : 7])
و قال تعالي في سورة الملك :( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك : 2])
و قال تعالي في سورة الانسان :( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً [الإنسان : 2])
فخلق السموات و الارض و تزيين الارض وخلق الموت و الحياة كل هذا لابتلائك ايها الانسان المكلف .
و اعلم ان الابتلاء علي قسمين :
ابتلاء كوني قدري و ابتلاء شرعي
الابتلاء الكوني القدري قد يكون بالشر و قد يكون بالخير ..

اما الابتلاء الشرعي فبالاوامر و النواهي اي ما هو موقفك من حدود الله عز و جل من الحلال و الحرام

القسم الاول : الابتلاء الكوني القدري :

اعلم ان الله تعالي قد يمتحنك بالمصائب او قد يمتحنك بالخيرات من مال و جمال و قوة و سلطان و ما شابه ذلك فان كان امتحانه لك بالشر فعليك ان تقابل ذلك بالصبر و اذا كان ابتلائه لك بالخير فعليك ان تقابل هذا بالشكر ..

قال تعالي : (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء : 35])

اذا كان الابتلاء بالخير :

علي الانسان اذا ما ابتلي بالخير ان يكون شاكرا لله عز و جل و لا يكون شاكرا لله تعالي الا اذا استخدم هذا الخير في تحصيل مرضاة الله تعالي .. فعليه ان يكون شاكرا بالتقرب الي الله بالنعمة التي انعمها عليه تعالي و التقرب الي الله تعالي بالنعم كما انه من شكرانها الا انه يجلب المزيد من النعم كما قال عز من قائل : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم : 7]) .. وكفران النعمة يؤدي الي محقها عياذا بالله و زوالها ..

اذن الابتلاء بالخير يجب ان يقابلها الانسان بالشكر حتي يكون هذا الخير نعمة في حق العبد ..

انواع النعم
النعم اذا تأملتها علي الحقيقة هناك وصف ذاتي (وصف مطلق)و هناك وصف اضافي (وصف نسبي).

الوصف المطلق مثلا كاللون الاسود هل احمد يراه اسود و عمر يراه احمر ؟ لا . الكل يراه اسود ..

لكن في الطعام مثلا قد تشتهي انت طعاما ليس شهيا بالنسبة لغيرك ..

فاذا طبقنا هذا علي النعم ستجد ان النعمة الحقيقية الوحيدة هي نعمة الايمان فهي نعمة حقيقية و هي نعمة علي كل حال و ترفع صاحبها في الدنيا و الاخرة . قال تعالي : (يرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة : 11]) ..

اما باقي النعم التي يعطاها العبد في الدنيا فلا يمكن ان تصفها بانها نعمة او نقمة الا باعتبار تصرف العبد فيها ..

امثلة :

المال

المال كان نعمة في حق سليمان نقمة في حق قارون لانه ابعده عن الله تعالي فخسف الله به و بدارة الارض ..

قال تعالي : ( قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص : 78]) اما سليمان عليه السام فقال : ( قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ [النمل : 40]) .

وكما ثبت هذا عند الترمذي بسند صحيح من حديث أَبُو كَبْشَةَ الْأَنَّمَارِيُّ t أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ.

اذن المال كان نعمة في حق الأول لانه زاده قربة من الله تعالي ونقمة في حق الثالث لانه أبعده عن الله تعالي ..

طول العمر
نسمع من يقول للاخر ربنا يطول عمرك .. طول العمر لا يوصف بانه نعمة ولا بانه نقمة الا باعتبار تصرف العبد ..

اخرج الامام احمد بسند صحيح عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ قَالَ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ قَالَ فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ قَالَ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ ..

الاثنان طال عمرها الا ان الاول استثمر عمره في طاعة الله تعالي و في تحصيل الكثير من الثواب و الاخرلم يزدد من الله الا بعدا ..

السلطان

كان السلطان نقمة في حق قارون نعمة في حق عمر بن عبد العزيز مثلا ..

كان عمر بن عبد العزيز اميرا للمؤمنين الا انه لم يعتبر هذا مغنما و انما اعتبرها ابتلاء من الله تعالي فكان يجلس في محرابه ليلا يبكي حتي ينعس فاذا استيقظ من نعاسه استأنف البكاء و دخلت عليه فاطمة زوجه قالت : ما يبكيك يا امير المؤمنين ؟ قال لها : ويحك يا فاطمة , لقد وليت هذا الامر عن غير رغبة مني فتفكرت في اليتيم الجائع و الفقير الضائع و الارملة و المسكين و الشيخ الكبير و ذي العيال الكثير و المال القليل فعلمت ان ربي عز و جل سيسألني عنهم يوم القيامة و ان خصمي دونهم محمد r فخشيت الا تثبت لي حجة عند مخاصمته r فرحمت نفسي فبكيت ..

لذلك كانت الامارة نعمة في حق عمر بن عبد العزيز لانه اداها بحقها فجعل الله تعالي له ذكرا في الآخرين و نحن نترضي عليه الي الان .

الصلاة

فمنا من صلاها و الحمد لله فازداد قربا لله عز و جل و منا من يمر الوقت حتي يخرج الوقت بل قد يكون عازما علي عدم الصلاة عياذا بالله و قد يأتيه الموت و هو علي هذا العزم فيحاسب عليه .. فهي نعمة في حق من صلاها نقمة في حق من تركها .

القران

قال تعالي : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً [الإسراء : 82])

النبي صلى الله عليه و سلم

قال تعالي : (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ [الحاقة : 48] وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ [الحاقة : 50])

لذلك قالوا أن نعمة الايمان هي النعمة الحقيقية لانها تحول كل ما يعطاه العبد في الحياة الدنيا الي نعم ..

فاذا كان الابتلاء بالخير يجب ان يقابلها الانسان بالشكر حتي يكون هذا الخير نعمة في حق العبد ..

و الشكر ليس شكرا باللسان بان يقول الانسان (احمد الله) .. و هنا نوضح مسألة : الشكر خلاف الحمد و قد يعبر عنه بالحمد .

الحمد لله : هو الثناء الكامل علي الله لانه تعالي يستحق ذلك لكماله و جلاله عز و جل فأنت تقول ( الثناء الكامل علي الله تعالي لانه له صفات الكمال و نعوت الجلال سواء أعطاك أم لم يعطك) فالحمد لله علي كل حال أولا و أخرا و بالسان و بالقلب ..

اما الشكر لله: فانه يكون علي شيء انعم به عليك تبارك و تعالي و هو الذي * قال : (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ [النحل : 53]) .

و الشكر يكون باللسان و القلب و العمل .. كيف ؟ ما الدليل ؟

*قول الله تعالي : (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ : 13]) هل امتثل داوود لامر الله تعالي . نعم و بشهادة نبينا r ..

* اخرج البخاري من حديث عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ r أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَأَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ.

* و النبي r كما عند البخاري من حديث الْمُغِيرَةَ t يَقُولُ إِنْ كَانَ لَيَقُومُ لِيُصَلِّيَ حَتَّى تَرِمُ قَدَمَاهُ أَوْ سَاقَاهُ فَيُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا .

فهذه الصلاة التي كان يصليها شكرا لله تعالي .
و لهذا قالوا :الشكر باللسان و بالقلب و بالعمل (الجوارح)

كيف يكون كذلك ؟ قال القرطبي رحمه الله قال العلماء :

هو على ثلاثة أوجه : أولها ان تعرف من أعطاك . والثاني أن ترضى بما أعطاك . الثالث ان تتقرب اليه بما اعطاك .

الاول : ان تعرف من أعطاك :

من الذي اعطاك من الذي يربيك و يحافظ عليك ؟ رب العالمين سبحانه و تعالي قال تعالي :*(وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ [النحل : 53]) اسبغ عليك نعمه ظاهرة و باطنه و قال تعالي : *( وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم : 34])

والثاني : أن ترضى بما أعطاك :

و لذلك قال بعض اهل العلم و هم يعرفون الزهد و منهم الجنيد رحمه الله كما نقل ابن القيم في مدارجه : الزهد الا يكون في قلبك ما ليس في يدك .

الاستغناء : ما تملكه هو الذي في قلبك فقط اما ما ليس في يدك فليس من نصيبك ولا من حظك . لا تلتفت اليه و لو ان الانسان طبق هذه القاعدة ما زني رجل او سرق بل ولا نظر الي امرأة نظرة محرمة فهو لا ينشغل الا بما اعطاه الله عز و جل فقط – الرضا ..

* اخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ: لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْس .

* حديث ابي كبشة الانماري .. السابق .

الثالث: ان تتقرب اليه بما اعطاك :

فان اعطاك مالا فاخرج حق الله فيه و ان كانت صحة لا تضيعها في الدخان و الموبقات و ما شابه ذلك و ان اعطاك اولادا اجتهد في تربيتهم تربية حسنة وفقا لاصول الشريعة .. و هكذا ..

واما اذا كان الابتلاء بالشر

ولا بد من ذلك فقد قال تعالي في كتابه : *(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [155] الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ [البقرة : 156])

*و لذلك قال تعالي في سورة آل عمران : (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [آل عمران : 186])

عقب الله تعالي في كلتا الايتين بالصبر علي هذا الابتلاء كما هو موضح

فاذا كان الابتلاء بالشر فعليك بمواجهته بالصبر ..

و اعلم ان المصيبة التي تصيبك هي من عند نفسك انت بسبب معاصيك و استمع الي قول الله تعالي : (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ [الشورى : 30])

و من رحمته انه ابتلاك ليكفر ذنوبك فان لم تكن هناك ذنوب فترفع به درجة العبد ..

و السؤال : هل من اشياء تعينك علي الصبر ؟؟ نعم

اولا : الايمان بالقدر :

* قال تعالي : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر : 49]) قال تعالي : * (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات : 96])

* و في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ..

* اخرج الامام مسلم من حديث حذيفة و ابن مسعود و ابي ابن كعب و زيد ابن ثابت y ان النبي r قال : لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ عَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَلَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ وَلَوْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا لَدَخَلْتَ النَّارَ ..

* و في صحيح مسلم من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ t قَالَ :سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ .

* ولهذا شرع لنا أن نقول في التعزية علي لسان رسوله r من حديث أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِب ..

ثانيا : ان تعتقد ان الله الذي ابتلاك ارحم بك من الوالدة بولدها :

* ففي صحيح البخاري عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ t قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ r سَبْيٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ r أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ قُلْنَا لَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ فَقَالَ لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا .

ثالثا : ان تعلم يقينا ان هذه المصائب و يكفر بها عن سيئاته و يزاد بها في حسناته :

* وقد روي البخاري من حديث ابي هريرة t ان النبي r قال : يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِن عِنْدِي جَزَاء إِذَا قَبَضْت صَفِيّه مِنْ أَهْل الدُّنْيَا ثُمَّ اِحْتَسَبَهُ إِلَّا الْجَنَّة "

* كذلك روي البخاري من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t قال سَمِعْتُ النَّبِيَّ r يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ قَالَ إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ يُرِيدُ عَيْنَيْهِ ..

* روي البخاري من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ y عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ : مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ .

النصب : التعب..الوصـب : المرض المزمن ..الهـــم : هو ما يعتري النفس من ضيق و اضطراب مخافة وقوع شيء . الغــم : هو ما يعتري النفس من ضيق و اضطراب بعد وقوع الشيء ..

فالمؤمن يثاب في كل الأحوال و لكن عليه أن يكون مؤمنا فقط .. و هذا دليل علي ان الايمان هو النعمة الحقيقية لذاتها .

الله تعالي ان امنت به و عملت اليسير من العمل فانه سبحانه و تعالي يقبل منك اليسير من العمل و يعطيك عليه الكثير ..

* اخرج البخاري من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r : قَالَ سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ .

* وَأَخْرَجَهُ أَحْمَد و الترمذي وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان أَيْضًا مِنْ حَدِيث أَبِي بَكْر الصِّدِّيق t أَنَّهُ قَالَ : " يَا رَسُول اللَّه كَيْف الصَّلَاح بَعْد هَذِهِ الْآيَة ( لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ) ؟ فَقَالَ : غَفَرَ اللَّه لَك يَا أَبَا بَكْر ، أَلَسْت تَمْرَض ، أَلَسْت تَحْزَن ؟ قَالَ قُلْت : بَلَى . قَالَ : هُوَ مَا تُجْزَوْنَ بِهِ .

اذن العبد المؤمن اذا ارتكب ذنبا في الدنيا فمن رحمة الله به ان يصيبه بمصيبة ليكفر عنه ذنوبه ..

هل معني ذلك ان يتمني الانسان الابتلاء ؟ لا . بل تسأل الله العافية .

* ففي سنن الترمذي من حديث ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t أَنَّ النَّبِيَّ r عَادَ رَجُلًا قَدْ جُهِدَ حَتَّى صَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ فَقَالَ لَهُ أَمَا كُنْتَ تَدْعُو أَمَا كُنْتَ تَسْأَلُ رَبَّكَ الْعَافِيَةَ قَالَ كُنْتُ أَقُولُ اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا فَقَالَ النَّبِيُّ r سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّكَ لَا تُطِيقُهُ أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ أَفَلَا كُنْتَ تَقُولُ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ..

* و في سنن ابي داوود من حديث عَنْ أَنَسٍ t أَنَّ النَّبِيَّ r كَانَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَمِنْ سَيِّئْ الْأَسْقَامِ .

فالانسان لا يسأل الله تعالي الابتلاء فقد يغفر الله تعالي لك ذنوبك كلها ابتداءا يوم القيامة ..

* وَفِي الْحَدِيث الصَّحِيح الذي اخرجه ابن ماجة ان النبي r قال :" إِذَا أَرَادَ اللَّه بِعَبْدِ خَيْرًا عَجَّلَ لَهُ عُقُوبَته فِي الدُّنْيَا ، وَإِذَا أَرَادَ بِهِ شَرًّا أَمْسَكَ عَنْهُ عُقُوبَته فَيَرِد الْقِيَامَة بِذُنُوبِهِ ".

هذا كله يعين الانسان علي الصبر لاقدار الله و يستحق عليه البشري من الله ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) ..

و قال تعالي : (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر : 10])

* و في صحيح مسلم من حديث عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ t قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ..

فالصبر ينير لك الطريق و يريك الامور وهي في مواضعها المعتدله لكن المندفع الذي لا صبر له يري الامور بالمقلوب عياذا بالله ..

* و في موطأ مالك من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t أَنَّ نَاسًا مِنْ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ r فَأَعْطَاهُمْ ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ ثُمَّ قَالَ مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً هُوَ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنْ الصَّبْرِ ..

من يستعفف او من يستغن او من يتصبر : اي من يتكلف هذا الامر و ليس فيه ..

* وقد اختلف اهل العلم هل يشترط لتكفير الذنوب بالمصائب ان يصبر العبد ؟

فالقول الراجح ان المصيبة بنفسها مكفرة للذنوب لكن ان صبر العبد عند المصيبة زاد اثرها في تكفير الذنوب ..

و حديث ابي هريرة t ان النبي r قال : يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِن عِنْدِي جَزَاء إِذَا قَبَضْت صَفِيّه مِنْ أَهْل الدُّنْيَا ثُمَّ اِحْتَسَبَهُ إِلَّا الْجَنَّة " فالشرط ان يحتسب و معني الاحتساب ان يحبس النفس عن الجزع و اللسان عن التشكي و عما لا يجوز من الندب و النياحة و الجوارح عما يحدث من لطم للخدود و شق للجيوب و ما يحدث من امور الجاهلية .

فهو يشعر بالم في نفسه و يرجو الثواب الخالص من ربه و مليكه لا اله الا هو هذا هو الاحتساب .. و الصفي قد يكون والد او ولد او عم او خال او صديق او ما شابه ..

فاذا قبض الله تعالي حبيبا الي نفسه فصبر علي ذلك عوضه الله عنه الجنه.

كذلك روي البخاري من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t قال سَمِعْتُ النَّبِيَّ r يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ قَالَ إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ يُرِيدُ عَيْنَيْهِ ..

فاذا ابتلي الانسان جوزي علي ذلك اما اذا صبر و احتسب فيرتقي في الدرجات العلا عند نزول هذه المصيبة وليعلم ان الصبر عند الصدمة الاولي هكذا قال النبي r ..

* اخرج البخاري و مسلم من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t قَالَ :مَرَّ النَّبِيُّ r بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي قَالَتْ إِلَيْكَ عَنِّي فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي وَلَمْ تَعْرِفْهُ فَقِيلَ لَهَا إِنَّهُ النَّبِيُّ r فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ r فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ فَقَالَتْ لَمْ أَعْرِفْكَ فَقَالَ إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى .

اذن الانسان لابد له من الابتلاء في الدنيا سواء بالخير او بالشر فاذا كان الابتلاء بالخير لابد ان يقابله بالشكر و ان كان بالشر فلابد ان يقابله بالصبر حتي تكون كل احوله قربي الي الله عز و جل ..

* روي الامام مسلم مِنْ حَدِيث صُهَيْب t قَالَ : " قَالَ رَسُول اللَّه r عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِن ، إِنَّ أَمَرَهُ كُلّه خَيْر وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ الا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاء فَشَكَرَ اللَّه فَلَهُ أَجْر ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاء فَصَبَرَ فَلَهُ أَجْر ، فَكُلّ قَضَاء اللَّه لِلْمُسْلِمِ خَيْر " فعليك ان تكون متقلبا دائما بين الصبر و الشكر ..

اذن علينا ان الابتلاء اما ان يكون بالخير او بالشر و الابتلاء بالشر واجب عليك ان تقابله بالصبر ..

اما الابتلاء بالخير فواجب عليك ان تقابله بالشكر و الشكر اما بالقلب او باللسان او بالجوارح ..

فالشكر بالقلب :

ان تعرف ان هذه نعمة و انها من الله عز و جل لا من غيره و ان تعرف انها بفضله تبارك و تعالي لا باعمالك .

اما الشكر باللسان :

1* فبحمد الله تبارك و تعالي : فافضل دعاء الحمد لله

وروي جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ان النبي r قال : ( أفضل الذكر التهليل لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله) ..

و روي الامام ابن ماجة باسناد حسن عن انس بن مالك t ان النبي r قال : ( مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ إِلَّا كَانَ الَّذِي أَعْطَاهُ أَفْضَلَ مِمَّا أَخَذَ ) ..

لقوله تبارك و تعالي : (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ [النحل : 96])

2* و التحدث بالنعمة من شكر النعمة باللسان كما قال تعالي : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى : 11])

اما شكر النعمة بالجوارح :

ان تتقرب بهذه النعمة الي الله (النعمة الحقيقية و النعمة الإضافية) ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق