روى البخاري في صحيحه في كتاب الاعتصام بالكتاب و السنة بَاب الِاقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعن ابْنُ عَوْنٍ رضي الله عنه قال : ثَلَاثٌ أُحِبُّهُنَّ لِنَفْسِي وَلِإِخْوَانِي هَذِهِ السُّنَّةُ أَنْ يَتَعَلَّمُوهَا وَيَسْأَلُوا عَنْهَا وَالْقُرْآنُ أَنْ يَتَفَهَّمُوهُ وَيَسْأَلُوا عَنْهُ وَيَدَعُوا النَّاسَ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ .
و عبد الرحمن بن عون من طبقة صغارالتابعين و هي من القرون الخيرية التي اثنى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليها .
ففي الصحيحين من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يأتي بعد ذلك اقوام يشهدون و لا يستشهدون و يقولون و لا يؤتمنون و ينذرون و لا يوفون و يظهر فيهم السمن .
* يوصي رضي الله عنه نفسه و اخوانه بثلاث امور اولها : تفهم القران و ان يسألوا عنه و يتعلموا السنة و يسألوا عنها و بترك اذاية الناس .
و لن يستطيع ان يحقق الامر الثالث الا بعد ان يحصل العلم بالامرين الاول و الثاني لان النفس كما قال اهل العلم ان لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل .
شرح الحديث :
قال رضي الله عنه في القران ان يتفهموه و في السنة ان يتعلموها و هذا بيان ان الناس يهتمون بحفظ القران فليسوا في حاجة الي حفظ و تعلم القران و انما يحتاجون الي تفهم القران لان الله تعالى قد امرهم بذلك .
قال تعالى : (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [صـ : 29])
و قال تعالى : (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً [النساء : 82])
و قال تعالى : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد : 24])
فالذي لا يتدبر القران كانما وضع على قلبه الاقفال عياذا بالله لان القران لم ينزل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمجرد التلاوة على سبيل التبرك و انما نزل القران كنظام يحكم حركة الانسان في كل ما يتعلق بجزئيات الحياة و الذي يقتصر بالقران على مجرد التلاوة فقط فان الله تعالى قد ذم اهل الكتاب على ذلك .
قال تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً .. [الجمعة : 5])
و قال تعالى : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ [البقرة : 78]) قال ابن عباس رضي الله عنهما : اي الا تلاوة .
اي اكتفوا من كتابهم بمجرد التلاوة فقط و الانسان اذا اكتفى من القران بالتلاوة فقط للتبرك لابد و ان يتحول الدين عنده الى مجموعة من الظنون و التخيلات و الاوهام و الاراء .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : اي الا تلاوة . اي يكتفون بتلاوته فقط بغير تدبر و لا عمل .
و في تفسير اية الفرقان : (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً [الفرقان : 30])
قال العلماء : الهجر اما ان يكون هجر تلاوة و اما ان يكون هجر تدبر و اما ان يكون هجر عمل .
و اليك مثلا على ما قالته اليهود و النصارى مع تلاوتهم للكتاب بغير تدبر :
استمع الى قول الله تعالى : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ..[المائدة : 64])
و قال تعالى : (لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ [آل عمران : 181])
اذن هؤلاء سبوا الله عز و جل و قتلوا انبياءه صلوات الله عليهم اجمعين .
اما النصارى فقد زعموا ان الله تعالى اتخذ صاحبة وولدا قال تعالى : (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً [88] لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً [89] تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً [90] أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً [91] وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً [92] إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً [93] لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً [94] وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم : 95])
و مع ذلك و لانهم تعاملوا مع كتبهم على انها كتب للتبرك فقط انظر الى ما قالوا :
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ .....[المائدة : 18])
(وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى ....)
ولهذا قال الله عنهم و رد عليهم : (.......تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة : 111])
فهذه اماني ليس عليها برهان من عند الله .
فالانسان ان ابتعد عن كتاب ربه تبارك و تعالى و لم يتدبره و لم يتفهمه فكأنما وضعت الاقفال على قلبه و يتحول الدين حين اذن الى مجموعة من الاماني و الظنون و الاهواء .
فترى مجموعة من الناس تعرض علهم مسألة شرعية في تلفاز او مؤتمر او ما شابه فترى هذا يقول : انا ارى كذا و الاخر : انا اعتقد كذا و اخر انا اتخيل و اخر انا ظني !!!
و قد نهى الله تعالى كل مكلف على ان يتكلم في دينه بغير علم فالقران نزل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و تولي بيانه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال تعالى : (بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل : 44])
فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلغ القران و بينه للناس .
*واستمع الي خطبته في حجة الوداع حين نزلت عليه ايات المائدة : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ...[المائدة : 3])
ثبت في البخاري عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ لِعُمَرَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَنَّ عَلَيْنَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا } لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا فَقَالَ عُمَرُ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيَّ يَوْمٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ .
* وقد ثبت في السنة المطهرة من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما كما عند مسلم ان النبي صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع عندما زَاغَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ : إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ .......
الشاهد : وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .
و خطب في يوم النحر و خطب في ثلاثة ايام التشريق و في كل هذه الخطب يسألهم و يشهدهم على انه بلغ الرسالة .
فالدين كَمُل و النعمة تَمَّت و النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرحه و بينه ثم رحل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الى ربه و تكفل ربنا عز و جل بحفظ دينه من التحريف و الزيغ قال تعال : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر : 9])
فالذكر هو الوحي فالله تعالى تعهد بحفظ وحيه بل قال اهل العلم ان الله تعالى حفظ كل العلوم الخادمة للقران لان الله تكفل بحفظ القران ليكون حجة على الخلق دائما و القران هو اخر كتاب سماوي فتكفل سبحانه بحفظه ليكون حجة على الناس الي يوم القيامة .
و القران نزل بلسان عربي مبين أرأيت لو ان لغة العرب ضاعت فهل يكون هذا القران حجة على احد ؟ اطلاقا .
ارايت لو ان السنة فقدت فهل سيكون هذا القران حجة على احد ؟ اطلاقا . كيف تصلي و الله يأمرك بان تقيم الصلاة و ان فتحت كتب اللغة ستجد ان الصلاة في اللغة هي الدعاء و لكن السنة هي التي وضحت .
الصيام هو الامساك فعن اي شيء تمسك ؟ الحج : وهو لغة القصد ..اذن الدين محفوظ و انظر الي المكتبة الاسلامية بعد 1400 عام .
فلكي لا تقع فيما وقع فيه اهل الكتاب من قبل فعليك بتدبر هذا الكتاب لانك مخلوق لهذا الكتاب اصلا و قف عند قول الله تعالى : (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [38] وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة : 39])
انت موجود اصلا للابتلاء كما قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ..... [هود : 7]) و الايات في هذا كثيرة .
و هذا الامتحان امتحان في الاوامر و النواهي اي التكاليف التي كلفك الله اياها .
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران : 102])
و بما انك لا تعرف متي ستموت فهذا امر ضمني من الله بان تكون مسلما في كل حال و هو تقوى الله التي امرك بها ربك سبحانه.
* وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لاحد عماله : اوصيك بتقوى الله فانها التي لا يقبل غيرها و لا يرحم الا اهلها و لا يثاب الا عليها و اعلم ان الواعظين بها كثير و العاملين بها قليل فاذكرك بطول سهر اهل النار في النار مع خلود الابد فاياك ان يكون منصرفك من بين يدي الله عز و جل اخر العهد بك و انقطاع الرجاء منك و السلام . فالانسان لابد ان يخاف .
ـــــــــ
الجزء الثاني في النصيحة هو قول ابن عون رضي الله عنه و هو متعلق بالجزء الاول : هَذِهِ السُّنَّةُ أَنْ يَتَعَلَّمُوهَا وَيَسْأَلُوا عَنْهَا .
فالسنة شارحة للقران لا تنفك عنه و قول الله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر : 9]) فهذا على كل من السنة و القران .
قال الشافعي رحمه الله في كتاب الرسالة : السنة منزلة كما نزل القران و الدليل على ذلك :
قول الله تعالى : (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى [3] إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم : 4])
و قال تعالى : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ [الجمعة : 2]) فالمخرج من الضلال تعلم الكتاب و الحكمة .
و قال الشافعي : سمعت من اردى من اهل العلم يقولون الحكمة السنة .
لقول الله تعالى : (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً [الأحزاب : 34])
ولقول الله تعالى : (...... وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً [النساء : 113])
فعلينا ان نهتم بسنة هذا النبي صلى الله عليه و سلم فتقليده و محبته و سنته اجر و رفعة و انت مقلد لا محالة فاما ان تكون مقلدا للنبي صلى الله عليه و سلم او ان تكون مقلدا لغيره .
و استمع لقول الله تعالى : (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [آل عمران : 31])
قال الحسن البصري : زعم اقوام حبا لله تعالى فابتلاهم بهذه الاية .
* فهو صلى الله عليه و سلم لم ياتي بشيء من عند نفسه ولا يستطيع ذلك كما قال تعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ [الحاقة : 44] .. الايات)
* اذا كان الله تعالى قد بين ان ما ينطق به النبي صلى الله عليه و سلم كله من عند الله فطاعته طاعة لله كما قال تعالى : (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً [النساء : 80]) فطاعة الرسول طاعة لله على الاصل .
* فالدليل على صدقك على دعوتك انك تحب الله هو اتباعك لرسولك صلى الله عليه و سلم .
* و هذا الاتباع هو الصراط المستقيم الذي تدعوا فيه ربك تعالى 17 مرة على الاقل في سورة الفاتحة التي لا تصح الصلاة الا بها لقولك : (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ [الفاتحة : 6])
و اتباعه هو الصراط المستقيم : (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الشورى : 52])
فهو صلى الله عليه و سلم يهدي الى صراط مستقيم و هو صراط الله تعالى و هذه صفاته التي ذكرها ربنا تعالى في اخر سورة التوبة .
قال تعالى : (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [التوبة : 128])
انظر الي قوله (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) .
و انظر الى قول الله تعالى في سورة ال عمران : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران : 118])
و لكننا ابينا الا ان نتبع اهل الكتاب من قبلنا و من تبعهم من المنافقين .
حتى انه قال صلى الله عليه و سلم : (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ)
فهو صلى الله عليه و سلم يخشى ان يشق علينا و نحن نذهب الى المشقة بانفسنا في اتباع اهواء من ضلوا و اضلوا و ضلوا عن سواء السبيل .
فعلى الانسان في حياته كلها ان يشغل نفسه بهذين الاصلين و لا يحيد عنهما ان يشغل نفسه بالحق لكي لا تشغله بالباطل و ليعلم كل واحد منا ان كل لحظة تمر عليك فلن تعود الى يوم القيامة و ليعلم ايضا انه متى جاء ملك الموت فقد سدت عليه ابواب العمل او كما قال النووي رحمه الله : تطوى صحيفة اعماله و يغلق باب توبته و يرى ما هو سائر اليه .
انت ان حققت هذين الامرين فلابد و ان تحقق الامر الثالث : وَيَدَعُوا النَّاسَ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ .
لانك ان درست الكتاب و السنة و اتخذتهم منهج حياة علمت حق اخيك المسلمين عليك و ستعلم علما جازما بان الله تعالى جعل المسلم محرما غاية التحريم : دمه و ماله و عرضه محرما .
و اليك حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما كما عند مسلم و السابق قوله .
تصور فيما هو متعلق بالاموال لو انك احرجت انسانا فاعطاك مالا و هو متحرج ليست عن طيب نفس .
روى ابن ماجة بسند صحيح عن أبي حرة الرقاشي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيبة نفس
فما بالك بالغش ؟
ان اردت حرمة الاعراض فراجع حديث عائشة رضي الله عنها كما عند ابي داوود : قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا قَالَ غَيْرُ مُسَدَّدٍ تَعْنِي قَصِيرَةً فَقَالَ لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ قَالَتْ وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسَانًا فَقَالَ مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ إِنْسَانًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا.
تخيل لو ان انسانا تبول في بحر هل يفسد هذا البحر او يعكره ؟ لا و لكن هذا قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ . و لا حول و لا قوة الا بالله .
* ان اردت ان تعرف حرمة الدماء فحسبك ان تعرف ان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : من روع مسلما فليس منا .
* و كما عند مسلم عن أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ . و لكنه الجهل باحكام الله تعالى
و عبد الرحمن بن عون من طبقة صغارالتابعين و هي من القرون الخيرية التي اثنى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليها .
ففي الصحيحين من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يأتي بعد ذلك اقوام يشهدون و لا يستشهدون و يقولون و لا يؤتمنون و ينذرون و لا يوفون و يظهر فيهم السمن .
* يوصي رضي الله عنه نفسه و اخوانه بثلاث امور اولها : تفهم القران و ان يسألوا عنه و يتعلموا السنة و يسألوا عنها و بترك اذاية الناس .
و لن يستطيع ان يحقق الامر الثالث الا بعد ان يحصل العلم بالامرين الاول و الثاني لان النفس كما قال اهل العلم ان لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل .
شرح الحديث :
قال رضي الله عنه في القران ان يتفهموه و في السنة ان يتعلموها و هذا بيان ان الناس يهتمون بحفظ القران فليسوا في حاجة الي حفظ و تعلم القران و انما يحتاجون الي تفهم القران لان الله تعالى قد امرهم بذلك .
قال تعالى : (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [صـ : 29])
و قال تعالى : (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً [النساء : 82])
و قال تعالى : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد : 24])
فالذي لا يتدبر القران كانما وضع على قلبه الاقفال عياذا بالله لان القران لم ينزل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمجرد التلاوة على سبيل التبرك و انما نزل القران كنظام يحكم حركة الانسان في كل ما يتعلق بجزئيات الحياة و الذي يقتصر بالقران على مجرد التلاوة فقط فان الله تعالى قد ذم اهل الكتاب على ذلك .
قال تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً .. [الجمعة : 5])
و قال تعالى : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ [البقرة : 78]) قال ابن عباس رضي الله عنهما : اي الا تلاوة .
اي اكتفوا من كتابهم بمجرد التلاوة فقط و الانسان اذا اكتفى من القران بالتلاوة فقط للتبرك لابد و ان يتحول الدين عنده الى مجموعة من الظنون و التخيلات و الاوهام و الاراء .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : اي الا تلاوة . اي يكتفون بتلاوته فقط بغير تدبر و لا عمل .
و في تفسير اية الفرقان : (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً [الفرقان : 30])
قال العلماء : الهجر اما ان يكون هجر تلاوة و اما ان يكون هجر تدبر و اما ان يكون هجر عمل .
و اليك مثلا على ما قالته اليهود و النصارى مع تلاوتهم للكتاب بغير تدبر :
استمع الى قول الله تعالى : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ..[المائدة : 64])
و قال تعالى : (لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ [آل عمران : 181])
اذن هؤلاء سبوا الله عز و جل و قتلوا انبياءه صلوات الله عليهم اجمعين .
اما النصارى فقد زعموا ان الله تعالى اتخذ صاحبة وولدا قال تعالى : (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً [88] لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً [89] تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً [90] أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً [91] وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً [92] إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً [93] لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً [94] وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم : 95])
و مع ذلك و لانهم تعاملوا مع كتبهم على انها كتب للتبرك فقط انظر الى ما قالوا :
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ .....[المائدة : 18])
(وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى ....)
ولهذا قال الله عنهم و رد عليهم : (.......تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة : 111])
فهذه اماني ليس عليها برهان من عند الله .
فالانسان ان ابتعد عن كتاب ربه تبارك و تعالى و لم يتدبره و لم يتفهمه فكأنما وضعت الاقفال على قلبه و يتحول الدين حين اذن الى مجموعة من الاماني و الظنون و الاهواء .
فترى مجموعة من الناس تعرض علهم مسألة شرعية في تلفاز او مؤتمر او ما شابه فترى هذا يقول : انا ارى كذا و الاخر : انا اعتقد كذا و اخر انا اتخيل و اخر انا ظني !!!
و قد نهى الله تعالى كل مكلف على ان يتكلم في دينه بغير علم فالقران نزل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و تولي بيانه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال تعالى : (بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل : 44])
فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلغ القران و بينه للناس .
*واستمع الي خطبته في حجة الوداع حين نزلت عليه ايات المائدة : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ...[المائدة : 3])
ثبت في البخاري عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ لِعُمَرَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَنَّ عَلَيْنَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا } لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا فَقَالَ عُمَرُ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيَّ يَوْمٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ .
* وقد ثبت في السنة المطهرة من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما كما عند مسلم ان النبي صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع عندما زَاغَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ : إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ .......
الشاهد : وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .
و خطب في يوم النحر و خطب في ثلاثة ايام التشريق و في كل هذه الخطب يسألهم و يشهدهم على انه بلغ الرسالة .
فالدين كَمُل و النعمة تَمَّت و النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرحه و بينه ثم رحل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الى ربه و تكفل ربنا عز و جل بحفظ دينه من التحريف و الزيغ قال تعال : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر : 9])
فالذكر هو الوحي فالله تعالى تعهد بحفظ وحيه بل قال اهل العلم ان الله تعالى حفظ كل العلوم الخادمة للقران لان الله تكفل بحفظ القران ليكون حجة على الخلق دائما و القران هو اخر كتاب سماوي فتكفل سبحانه بحفظه ليكون حجة على الناس الي يوم القيامة .
و القران نزل بلسان عربي مبين أرأيت لو ان لغة العرب ضاعت فهل يكون هذا القران حجة على احد ؟ اطلاقا .
ارايت لو ان السنة فقدت فهل سيكون هذا القران حجة على احد ؟ اطلاقا . كيف تصلي و الله يأمرك بان تقيم الصلاة و ان فتحت كتب اللغة ستجد ان الصلاة في اللغة هي الدعاء و لكن السنة هي التي وضحت .
الصيام هو الامساك فعن اي شيء تمسك ؟ الحج : وهو لغة القصد ..اذن الدين محفوظ و انظر الي المكتبة الاسلامية بعد 1400 عام .
فلكي لا تقع فيما وقع فيه اهل الكتاب من قبل فعليك بتدبر هذا الكتاب لانك مخلوق لهذا الكتاب اصلا و قف عند قول الله تعالى : (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [38] وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة : 39])
انت موجود اصلا للابتلاء كما قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ..... [هود : 7]) و الايات في هذا كثيرة .
و هذا الامتحان امتحان في الاوامر و النواهي اي التكاليف التي كلفك الله اياها .
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران : 102])
و بما انك لا تعرف متي ستموت فهذا امر ضمني من الله بان تكون مسلما في كل حال و هو تقوى الله التي امرك بها ربك سبحانه.
* وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لاحد عماله : اوصيك بتقوى الله فانها التي لا يقبل غيرها و لا يرحم الا اهلها و لا يثاب الا عليها و اعلم ان الواعظين بها كثير و العاملين بها قليل فاذكرك بطول سهر اهل النار في النار مع خلود الابد فاياك ان يكون منصرفك من بين يدي الله عز و جل اخر العهد بك و انقطاع الرجاء منك و السلام . فالانسان لابد ان يخاف .
ـــــــــ
الجزء الثاني في النصيحة هو قول ابن عون رضي الله عنه و هو متعلق بالجزء الاول : هَذِهِ السُّنَّةُ أَنْ يَتَعَلَّمُوهَا وَيَسْأَلُوا عَنْهَا .
فالسنة شارحة للقران لا تنفك عنه و قول الله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر : 9]) فهذا على كل من السنة و القران .
قال الشافعي رحمه الله في كتاب الرسالة : السنة منزلة كما نزل القران و الدليل على ذلك :
قول الله تعالى : (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى [3] إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم : 4])
و قال تعالى : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ [الجمعة : 2]) فالمخرج من الضلال تعلم الكتاب و الحكمة .
و قال الشافعي : سمعت من اردى من اهل العلم يقولون الحكمة السنة .
لقول الله تعالى : (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً [الأحزاب : 34])
ولقول الله تعالى : (...... وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً [النساء : 113])
فعلينا ان نهتم بسنة هذا النبي صلى الله عليه و سلم فتقليده و محبته و سنته اجر و رفعة و انت مقلد لا محالة فاما ان تكون مقلدا للنبي صلى الله عليه و سلم او ان تكون مقلدا لغيره .
و استمع لقول الله تعالى : (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [آل عمران : 31])
قال الحسن البصري : زعم اقوام حبا لله تعالى فابتلاهم بهذه الاية .
* فهو صلى الله عليه و سلم لم ياتي بشيء من عند نفسه ولا يستطيع ذلك كما قال تعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ [الحاقة : 44] .. الايات)
* اذا كان الله تعالى قد بين ان ما ينطق به النبي صلى الله عليه و سلم كله من عند الله فطاعته طاعة لله كما قال تعالى : (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً [النساء : 80]) فطاعة الرسول طاعة لله على الاصل .
* فالدليل على صدقك على دعوتك انك تحب الله هو اتباعك لرسولك صلى الله عليه و سلم .
* و هذا الاتباع هو الصراط المستقيم الذي تدعوا فيه ربك تعالى 17 مرة على الاقل في سورة الفاتحة التي لا تصح الصلاة الا بها لقولك : (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ [الفاتحة : 6])
و اتباعه هو الصراط المستقيم : (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الشورى : 52])
فهو صلى الله عليه و سلم يهدي الى صراط مستقيم و هو صراط الله تعالى و هذه صفاته التي ذكرها ربنا تعالى في اخر سورة التوبة .
قال تعالى : (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [التوبة : 128])
انظر الي قوله (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) .
و انظر الى قول الله تعالى في سورة ال عمران : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران : 118])
و لكننا ابينا الا ان نتبع اهل الكتاب من قبلنا و من تبعهم من المنافقين .
حتى انه قال صلى الله عليه و سلم : (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ)
فهو صلى الله عليه و سلم يخشى ان يشق علينا و نحن نذهب الى المشقة بانفسنا في اتباع اهواء من ضلوا و اضلوا و ضلوا عن سواء السبيل .
فعلى الانسان في حياته كلها ان يشغل نفسه بهذين الاصلين و لا يحيد عنهما ان يشغل نفسه بالحق لكي لا تشغله بالباطل و ليعلم كل واحد منا ان كل لحظة تمر عليك فلن تعود الى يوم القيامة و ليعلم ايضا انه متى جاء ملك الموت فقد سدت عليه ابواب العمل او كما قال النووي رحمه الله : تطوى صحيفة اعماله و يغلق باب توبته و يرى ما هو سائر اليه .
انت ان حققت هذين الامرين فلابد و ان تحقق الامر الثالث : وَيَدَعُوا النَّاسَ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ .
لانك ان درست الكتاب و السنة و اتخذتهم منهج حياة علمت حق اخيك المسلمين عليك و ستعلم علما جازما بان الله تعالى جعل المسلم محرما غاية التحريم : دمه و ماله و عرضه محرما .
و اليك حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما كما عند مسلم و السابق قوله .
تصور فيما هو متعلق بالاموال لو انك احرجت انسانا فاعطاك مالا و هو متحرج ليست عن طيب نفس .
روى ابن ماجة بسند صحيح عن أبي حرة الرقاشي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيبة نفس
فما بالك بالغش ؟
ان اردت حرمة الاعراض فراجع حديث عائشة رضي الله عنها كما عند ابي داوود : قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا قَالَ غَيْرُ مُسَدَّدٍ تَعْنِي قَصِيرَةً فَقَالَ لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ قَالَتْ وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسَانًا فَقَالَ مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ إِنْسَانًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا.
تخيل لو ان انسانا تبول في بحر هل يفسد هذا البحر او يعكره ؟ لا و لكن هذا قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ . و لا حول و لا قوة الا بالله .
* ان اردت ان تعرف حرمة الدماء فحسبك ان تعرف ان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : من روع مسلما فليس منا .
* و كما عند مسلم عن أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ . و لكنه الجهل باحكام الله تعالى
