11‏/09‏/2008

هذه هي الدنيـــــــــا !!!

روى ابو داوود و البيهقي في الشعب و احمد و صححه الألباني من حديث ثوبان رضي الله عنه ن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها . فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير ؛ ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن . فقال قائل : يا رسول الله ! وما الوهن ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت .

لقد أوتي رسول الله صلي الله عليه و سلم جوامع الكلم و لخص لنا مشاكلنا التي نواجهها الان بعبارة موجزة جامعة

فما سبب الوهن ؟ ما سبب المرض الذي تعاني منه الأمة ؟؟؟

جمع صلى الله عليه و سلم السبب في أربعة كلمات : حب الدنيا و كراهية الموت

هذه الدنيا التي تشبثنا بها و التي لا تعدل عند الله جناح بعوضة كما ذكر سهل بن سعد رضي الله عنه في الحديث الذي رواه الترمذي بسند صحيح أن رسول الله صلي الله عليه و سلم قال : لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ .

الدنيا : دنيا من الدنو و السفالة و التي يتصارع الناس عليها الان و كانها الهدف و الغاية التي خلقوا من اجلها

الدنيا التي قتل من اجلها الابن أباه وأمه

الدنيا التي من اجلها يتصارعون و عليها يقتتلون و فيها يتباغضون و يتحابون و عليها يجتمعون

سفكت الدماء من اجلها و ضيعت الحقوق فيها و لها و صار الناس ينهشون بعضهم البعض كأنهم ذئاب متوحشة .

الدنيا التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم كما عند الترمذي من حديث أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ .

* كتب الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز رحمهما الله :

أما بعد ، فإن الدنيا دار ظعن ليست بدار إقامة ، وإنما أنزل آدم عليه السلام من الجنة إليها عقوبة ، فاحذرها يا أمير المؤمنين فإن الزاد منها تركها. والغني منها فقرها. لها في كل حين قتيل. تذل من أعزها. وتفقر من جمعها. هي كالسم يأكله من لا يعرفه وفيه حتفه . فكن فيها كالمداوي جراحه يحتمي قليلاً مخافة ما يكره طويلاً . ويصبر على شدة الدواء مخافة طول الداء.

فاحذر هذه الدار الغدارة الختالة الخداعة التي قد تزينت بخدعها وفتنت بغرورها وحلت بآماها وسوفت بخطابها. فأصبحت كالعروس المجلية. العيون إليها ناظرة والقلوب عليها والهة والنفوس لها عاشقة وهي لأزواجها كلهم قالية . فلا الباقي بالماضي معتبر ولا الآخر بالأول مزدجر. ولا العارف بالله عز وجل حين أخبره عنها مدكر. فعاشق لها قد ظفر منها بحاجته فاغتر وطغى ونسي الميعاد، فشغل فيها لبه حتى زلت به قدمه، فعظمت ندامته وكثرت حسرته، واجتمعت عليه سكرات الموت وتألمه وحسرات الفوت بغصته. وراغب فيها لم يدرك منها ما طلب ولم يروح نفسه من التعب، فخرج بغير زاد وقدم على غير مهاد،

فاحذرها يا أمير المؤمنين فإن صاحب الدنيا كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصته إلى مكروه ، السار في أهلها غار، والنافع فيها غدار ضار، وقد وصل الرخاء منها بالبلاء وجعل البقاء فيها إلى فناء، فسرورها مشوب بالأحزان لا يرجع منها ما ولى وأدبر، ولا يدري ما هو آت فينتظر.

أمانيها كاذبة وآمالها باطلة وصفوها كدر، وعيشها نكد، وابن آدم فيها على خطر، إن عقل ونظر فهو من النعماء على خطر ومن البلاء على الحذر، فلو كان الخالق لم يخبر عنها خبراً ولم يضرب لها مثلاً لكانت الدنيا قد أيقظت النائم ونبهت الغافل، فكيف وقد جاء من الله عز وجل عنها زاجر وفيها واعظ ؟

فما لها عند الله جل ثناؤه قدر وما نظر إليها منذ خلقها، ولقد عرضت على نبيك صلى الله عليه وسلم بمفاتيحها وخزائنها لا ينقصه ذلك عند الله جناح بعوضة فأبى أن يقبلها اذكره أن يخالف على الله أمره أو يحب ما أبغضه خالقه أو يرفع ما وضع مليكه...

و لذلك قال النبي صلى الله عليه و سلم كما عند البيهقي في الشعب و الطبراني بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما : صلاح أول هذه الامة بالزهد و اليقين و هلاك اخرها بالبخل و الامل ..

فالزهد في الدنيا و اليقين بالآخرة و الموت صلاح هذه الأمة

و الحرص علي المال و طول الامل في الدنيا و التشبث بها هلاك هذه الأمة .

ربى النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه بالكلمة كتابا و سنة و رباهم بالقدوة و العمل و إليك طرفا مما ذكر في هذه الدنيا ...

ذكر مثل الدنيا في كتاب ربنا في ثلاث مواضع :

* قال تعالى : (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [يونس : 24])

* (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً [الكهف : 45] الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً [الكهف : 46])

* (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [الحديد : 20])

قال الإمام البيضاوي : بين الله عز و جل أن الدنيا أمور خالية أي ذكريات قليلة النفع سريعة الزوال ..

و قال بعض أهل العلم : ان صورة هذا المثال الأخير :

أن الحياة الدنيا لعب و اللعب هو كل فعل لا يدعوا اليه العقل أبدا ..

و اللهو هو إرادة الذهاب بالهموم عن النفس بارتكاب ما لا يجوز و ما لا يحل ..

و زينة و تفاخر و هذا التفاخر قد يكون بالقوة او السلطان او بالجمال و ما الي ذلك ..

كمثل غيث : مطر ..

أعجب الكفار نباته : و الكفار هنا قال بعض أهل العلم أنهم الزراع ..

لان الزراع هم أهل الخبرة بالزرع فان أعجبهم نبات كان جيدا

و قال بعض أهل العلم : أعجب الكفار نباته : المراد بالكفار هنا هم الكافرون بالله عز و جل لأنهم اشد حبا للدنيا و هم يقبلون عليها إقبالا ..

ثم يهيج : ييبس ... فتراه مصفرا ثم يكون حطاما و في الآخرة عذاب شديد و مغفرة من الله ........

قال أهل العلم : و صورة هذا المثال أن المرء يولد فينشأ فيقوى فيكسب المال و الولد و يرأس فيرتقي في اعلي المناصب و يعلوا و ربما يكون فقيرا في اول حياته لكنه يفاجئ في اخر حياته بأمر في غاية الاهمية انه فقد شئ هام جدا هو الشباب ثم يأخذ بعد ذلك في الانحطاط ثم يشيب و يضعف و يسقم و تصيبه النوائب التي تؤدي الي نقص ماله او زوال عزه ثم يموت بعد ذلك و يضمحل امره ثم يصير ماله الي غيره و تتغير رسومه أي تتغير معالم هذا المال ..

فالدنيا قليلة النفع بالفعل سريعة الزوال لكنها مزينة كما قال تعالى :

(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران : 14])

و قد جاء هنا بفعل زين مبنيا للمجهول فمن الذي زين ؟ الذي زين علي الحقيقة هو الله عز وجل خالق الخير و الشر و خالق أفعال العباد و الله خلقكم و ما تعملون لكنه سبحانه لا ينسب اليه النقص فأنت تقول : اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ و رب العرش العظيم و رب السماوات و الأرض ».

لكن لا يقال اللهم رب القردة و الخنازير او ما شابه ذلك فلا يقال هذا و ان كان هو خالق الخير و الشر علي الحقيقة

فالذي يغر الناس بهذه الدنيا هو الشيطان :

قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ [فاطر : 5])

( قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران : 15] )

* طبعا الجنة خير من الدنيا و ما فيها كما قال النبي صلى الله عليه و سلم كما في حديث سَهْلٍ بن سعد t قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه و سلم : مَوْضِعُ سَوْطٍ فِى الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَغَدْوَةٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا »


هذه بعض الآيات في كتاب الله عز و جل التي تصف لنا الدنيا و حقيقتها و قوله الحق

* و في السنة المطهرة ما يدل علي هذا المعني أيضا و نحن في اشد الحاجة للوقوف علي هذا الأمر إذ أن حب الدنيا و كراهية الموت هي السبب في ذل المسلمين الآن و تكالب الأمم الكافرة علينا ..

* وعند الترمذي عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم « لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ ».
فاعطاها تعالى للصالح و الطالح للبر و الفاجر للمؤمن و الكافر حتي لا يكفر من في الارض جميعا ان اعطاها للكافر فحسب ..

قال تعالى : (وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ [الزخرف : 33] وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ [الزخرف : 34] وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف : 35])

فالله تعالى أعطي الدنيا للكافرين و للمؤمنين لانه ان اعطاها للكافرين فحسب لكفر الناس جميعا و لكن في الاخرة ليس هناك حظا للكافرين فيها تماما و استمع إلي قوله تعالى :

(وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ [الأعراف : 50])

* و في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلًا مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ ثُمَّ قَالَ أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ فَقَالُوا مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ وَمَا نَصْنَعُ بِهِ قَالَ أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ قَالُوا وَاللَّهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ لِأَنَّهُ أَسَكُّ فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ فَقَالَ فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ ..

فالنبي صلى الله عليه و سلم كما ربي اصحابه بالكلمة رباهم بالقدوة:

* حين ال من نسائه صلى الله عليه و سلم ان عمر استأذن عليه فاذن له فدخل عمر رضي الله عنه فقال : فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ – أي حصي منسوج - لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ، قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ بِجَنْبِهِ، مُتَّكِئٌ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، ، ثُمَّ رَفَعْتُ بَصَرِى فِى بَيْتِهِ، فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ فِيهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ غَيْرَ أَهَبَةٍ ثَلاَثَةٍ - الجلد غير المدبوغ - فَقُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ، فَإِنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ وَأُعْطُوا الدُّنْيَا، وَهُمْ لاَ يَعْبُدُونَ اللَّهَ، وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ: « أَوَفِى شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا »

* و اقرأ إن شئت قوله تعالى : (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ [آل عمران : 196] مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [آل عمران : 197])

*و اقرأ : (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ [المرسلات : 46])

*و اقرأ قوله تعالى : (فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [التوبة : 82])

اقرأ قول حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية : فليضحكوا قليلا فالدنيا قليل فليضحكوا فيها ما شاؤا فاذا قبضوا و ساروا الي ربهم عز و جل استأنفوا بكاءا لا ينقطع أبدا ..

* فانظر الي عيش النبي صلى الله عليه و سلم في حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين انها قالت : مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و سلم مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ طَعَامِ بُرٍّ ثَلَاثَ لَيَالٍ تِبَاعًا حَتَّى قُبِضَ ..

سبحان الله رسول الله خير الخلق صلى الله عليه و سلم ...

* و في الصحيحين من حديث ابي هريرة رضي الله عنه انه مر علي اقوام بين ايديهم شاة سميط ( هي التي سلخ جلدها و شويت ) فدعوه فأبا ان يأكل رضي الله عنه و قال : لقد توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و ما شبع من خبز الشعير ..

* في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه ان عمر رضي الله عنه ذكر الدنيا و ما أصاب الناس منها فقال : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يظل اليوم يتلوى من الجوع ما يجد من البقل ما يملؤ به بطنه .. و البقل هو التمر الردئ

* قد يقول قائل : فماذا عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه و كان مليونيرا بلغة العصر ..

* عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه الذي كان من أغنياء المسلمين روي البخاري عنه انه قرب اليه طعام و كان صائما فنظر الي طعامه فقال : قتل مُصْعَبُ ابْنُ عُمَيْرٍ، وَكَانَ خَيْرًا، مِنِّى، فَلَمْ نجد لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلا بُرْدَةٌ، إذا غطت بها رأسه بدت رجلاه و اذا غطي بها رجلاه بدا رأسه وَقُتِلَ حَمْزَةُ، أَوْ رَجُلٌ آخَرُ، خَيْرٌ مِنِّى، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلا بُرْدَةٌ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِى حَيَاتِنَا الدُّنْيَا ، ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِى. يقول الراوي : فوالله ما امتدت يده إلي الطعام ..

* انظر الي عتبة بن غزوان رضي الله عنه و كان أميرا علي البصرة كما يقول خالد بن عمر العدوي و الحديث عند مسلم قال : خطبنا عتبة بن غزوان و كان اميرا علي البصرة فحمد الله عز و جل و اثني عليه ثم قال : اما بعد فان الدنيا قد أذنت بصرم (أي بانتهاء) وولت حذائه أي مسرعة و لم يبقى منها الا صبابة الا كصبابة الاناء يتصابها صاحبها و انكم منقولون عنها الي دار لا زوال لها فانتقلوا بخير ما بحضرتكم فانه قد ذكر لنا ان الحجر يلقى من شفير جهنم فيهوى فيها سبعين عاما ما يدرك لها قعرا ووالله لتملان أفعجبتم ولقد ذكر لنا ان ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة اربعين سنة وليأتين عليها يوم وهو كظيظ من الزحام ولقد رأيتنى سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم مالنا طعام الا ورق الشجر حتى قرحت منه اشداقنا فالتقطت بردة فشققتها بينى وبين سعد بن مالك (ابن ابي وقاص احد العشرة) فاتزرت بنصفها واترز سعد بنصفها فما اصبح اليوم منا احد الا اصبح اميرا على مصر من الامصار وانى أعوذ بالله ان أكون في نفسي عظيما وعند الله صغيرا و استغفر الله ..

تعلموا من لنبي صلى الله عليه و سلم الزهد في الدنيا لان الله تعالى بين ان علة الكفر و علة الضلال و علة الفجور الحرص علي الدنيا فبقدر حرص الإنسان علي الدنيا بقدر ما يسلم دينك ..

* برهان هذا ما أخرجه الترمذي بسند صحيح من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ ...

* فحرصك علي المال و الشرف يضعف دينك و قد يذهب الدين بالكلية و لهذا قال بعض السلف : من عز عليه دينه هانت عليه نفسه و لن ينال الدرجات الرفيعة التي إنما تنال ببذل النفس و العرض و كل ما يملك في سبيل نصرة هذا الدين و في سبيل الاستقامة عليه ..

تعريف الزهد:

الزهد كما قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله : ان تكون الدنيا في يدك و ليست في قلبك أو ان تكون الدنيا بالنسبة إليك كالخلاء تحتاج اليه و ليس في قلبك ..

صلاح أول هذه الأمة بالزهد و اليقين و هلاك أخرها بالبخل و الأمل ..

اليقين :
واليقين هو الموت و استمع الي قول الله تعالى :

(مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ [المدّثر : 42] قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدّثر : 43] وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ [المدّثر : 44] وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ [المدّثر : 45] وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ [المدّثر : 46] حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ [المدّثر : 47])

*و في البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم بِمَنْكِبِي فَقَالَ : كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ ...

عرض ابن عمر علي النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة احد و كان في الرابعة عشر من عمرة فلم يجزه صلى الله عليه و سلم ثم عرض عليه يوم الخندق و كان في الخامسة عشر من عمره فأجازه صلى الله عليه و سلم كانت متي غزوة الخندق سنة خمس من الهجرة و النبي صلى الله عليه و سلم توفي بعد الخندق ب خمس سنوات أي ان ابن عمر كان في العشرين او بعدها بقليل ..

انظر الي وصية النبي صلى الله عليه و سلم له : كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ .....

قال الطيبي : او هنا للترقي بمعني بل .. لان الغريب قد يسكن في بلد الغربه أما عابر السبيل الذي خرج قاصدا بلدا بعيدة بينه و بينها سباع ووحوش ووديان مهلكة فهذا من شأنه الا يهدأ لمحةوالا يسكن لحظة حتي يبلغ هذه البلدة التي خرج قاصدا اليها ...

تأمل كلام ابن عمر رضي الله عنهما و هذا الفهم الراقي : إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ ...

افاد هذا الكلام امرين : ان يكون الامل في غاية القصر ...

و الثاني : ان الحياة تتبدل و لا تهدأ علي حال فانتهز الفرص للقربات ..

و الله لو ان انسان قرر بينه و بين نفسه انه سيموت بعد عشر سنوات لو انك أيقنت انك ستموت بعد عشر سنوات والله لجائت الاعمال مرضية لله عز و جل لكنها الامال البعيدة ...

قال الحافظ : و معني الحديث اعمل ما تلقي نفعه بعد موتك و بادر أيام صحتك بالعمل الصالح فانه قد يطرأ المرض فيمتنع العمل فيُخشي علي من فرط في ذلك ان يقدم المعاد بغير زاد ..

قال : و هذا الحديث لا تعارض بينه و بين حديث ابي موسى الاشعري رضي الله عنه الذي اخرجه البخاري انه قال : اذا مرض العبد او سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما .. لان حديث ابي موسي في حق من يعمل و حديث ابن عمر في حق من لا يعمل فانه اذا مرض ندم علي تركه العمل و عجز بمرضه عن العمل فلا يفيده الندم ..و هنا تذهب نفسه حسرات ..

* و قد اخرج الحاكم بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه و سلم قال لرجل و هو يعظه : اِغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْل خَمْس ، شَبَابك قَبْل هَرَمك ، وَصِحَّتك قَبْل سَقَمك ، وَغِنَاك قَبْل فَقْرك ، وَفَرَاغك قَبْل شُغْلك ، وَحَيَاتك قَبْل مَوْتك "

* قال النووي رحمه الله تعليقا علي هذا الحديث : و معني هذا الحديث لا تركن الي الدنيا و لا تتخذها وطنا و لا تحدث نفسك بطول البقاء فيها ولا تتعلق منها إلا بما يتعلق به الغريب في غير وطنه ..

قصر الأمل ..

* و انظر الي حديث علي بن ابي طالب رضي الله عنه و هذا الأثر علقه البخاري مختصرا ووصله بن المبارك في كتاب الزهد و ابن ابي شيبة في مصنفه يقول : إِنَّ أَخْوَف مَا أَخَاف عَلَيْكُمْ اِتِّبَاع الْهَوَى وَطُول الْأَمَل ، فَأَمَّا اِتِّبَاع الْهَوَى فَيَصُدّ عَنْ الْحَقّ ، وَأَمَّا طُول الْأَمَل فَيُنْسِي الْآخِرَة . أَلَا وَإِنَّ الدُّنْيَا اِرْتَحَلَتْ مُدْبِرَة وَارْتَحَلَتْ الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق