12‏/11‏/2008

مــقدمـــة



شرح كتاب الكبائر للامام الذهبي رحمه الله * المقدمة *

من المعلوم ان المعاصي من جهة المغفرة تنقسم الي قسمين :
اولا : معصية لا يغفرها الله عز و جل و هي الشرك كما قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48))
(إِنَّهُ ُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72))
و هذا الشرك لا يقبل الله معه أي عمل فمن شروط العمل الصالح إيمان مرتكب هذا العمل فان انعدم شرط الإيمان وقع عمله حابطا كما قال عز و جل : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66))
ثانيا : اما القسم الثاني فهي قسم المعاصي التي يغفرها الله عز و جل و مذهب جماهير اهل السنة ان هذه المعاصي تنقسم الي كبائر و صغائر ..
اهمية الكبيرة ان العبد المسلم ان احدث توبة بعد الوقوع فيها غفر له الله هذه الصغائر ,
* قال تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31))
* ومن ثم وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - الدواوين كما في حديث انس - رضي الله عنه - انها ثلاثة : ديوان لا يغفره الله عز و جل أبدا و هو الشرك و ديوان لا يعبأ الله عز و جل به و هو ديوان المعاصي المتعلقة بحق الله عز و جل فقط و ديوان لابد فيه من الحساب و الاستيفاء و هو ديوان المظالم المتعلقة بحقوق العباد فلابد ومن استيفائها إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة .
لكن لما كان الشرك معصية في حد ذاته يورده النبي - صلى الله عليه وسلم - علي انه من الكبائر أو اكبر الكبائر ,
* كما ثبت في حديث أبي بكرة في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا بلى يا رسول الله قال الإشراك بالله و عقوق الوالدين و كان متكئا فجلس و قال ألا و قول الزور و شهادة الزور ألا و قول الزور و شهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته يسكت او حتي قلنا لا يسكت (روايتان)
فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الاشراك بالله اكبر الكبائر كما في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قلت يا رسول الله أي الذنب اعظم قال : ان تجعل لله ندا و هو خلقك قلت ثم أي قلت ان تقتل ولدك مخافة ان يطعم معك قلت ثم أي قال ان تزاني حليلة جارك .
فالاشراك باله رغم انه من جهة الغفران من عدمة قسم بمفرده و هو قسم المعصية او الجريمة التي لا يغفرها الله عز و جل لكن الشرع يدخل هذا الشرك في جملة الكبائر و يصفة - صلى الله عليه وسلم - بانه اكبر الكبائر او اعظم الشرك .
اهمة الكبيرة ان الانسان ان اجتنبها او تاب منها بعد الوقوع فيها غفر الله عز و جل له صغائر الذنوب و الصغائر كثيرة جدا فتصور ذنوبا كثيرة جدا تغفر لو انك اجتنبت الكبائر يغفر الله عز و جل هذه الذنوب كلها و ان لم تجتنب الكبائر حاسبك الله عز و جل علي الكبائر و الصغائر كلها ..
اذن الكبيرة لها اهمية قصوي في حياتنا فينبغي ان نعرف ما هي الكبيرة .
فينبغي علي كل مسلم ان يقسم الامور بالنسبة له اولويات ان يتعرف اولا علي الشرك الاكبر فهو الخيانة العظمي و الجريمة الكبري التي
لا تغتفر و صاحبها مخلد في النار و لا تفتح له ابواب السماء و لا يدخل الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط و يجتنب هذا الشرك الاكبر .
ثم ينتقل للمرتبه الثانية و هي التعرف علي الكبائر ليجتنبها حتي يكفر الله عز و جل عنه الصغائر ..
قال الحافظ الذهبي :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد المرسلين وإمام المتقين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد فهذا كتاب مشتمل على ذكر جمل في الكبائر والمحرمات والمنهيات.
تعريفها : الكبائر ما نهى الله ورسوله عنه في الكتاب والسنة والأثر عن السلف الصالحين
وقد ضمن الله تعالى في كتابه العزيز لمن اجتنب الكبائر والمحرمات أن يكفر عنه الصغائر من السيئات لقوله تعالى
" إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً " .
الشرح
ذهب جماهير السلف و عامة اهل العلم ان المعاصي منها كبائر و منها صغائر و ذهب طائفة من اهل العلم و منهم الجويني إمام الحرمين و كذا القاضي عياض عن المحققين و هو مذهب الاشاعرة ان الذنوب لا تنقسم إلي كبائر و صغائر بل ان كل ذنب بالنسبة الي جلال الله عز و جل فهو كبيرة و بناءا على ذلك فلا ذنبا يغفر باجتناب ذنب اخر - فخالفوا الجمهور - فقالوا انه لا ذنب عندنا يغفر وجوبا باجتناب ذنب اخر بل كل الذنوب كبائر و مرتكبها في المشيئة ان شاء عذبه و ان شاء غفر له عز و جل ..
هذا المذهب تمذهب به عامة الاصوليين مثل امام الحرمين و غيره
في الحقيقة ان هذه المسألة بها اشكال لان قول الله تعالى : " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً " ثبت بهذه الايه ان هناك سيئات تكفر باجتناب الكبائر فهذه السيئات التي تكفر باجتناب الكبائر ليست من الكبائر و بناء على هذا فالذنوب تنقسم الي صغائر و كبائر ..
رد الاشاعرة :
اجاب الاشاعرة عن الاية بانه قد ورد في قراءة من القراءات : (إن تجتنبوا كبير ما تنهون عنه نكفر ...) و كبير ما ننهى عنه هو الشرك وورود هذه القراءة بلفظ كبائر قد ياتي اللفظ بصيغة الجمع و يراد به الواحد مثل قول الله تعالى : (كذبت قوم نوح المرسلين)
و ما ارسل اليهم الا نوح - صلى الله عليه وسلم - و بافتراض اجراء لفظ الجمع على حقيقته فالمراد (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر) يعني كافة اوجه الشرك ..
ما الذي حملهم عي حمل هذه الاية علي هذا التأويل ؟
قالوا انه لو افترضنا ان اجتناب الكبائر يكفر الصغائر يترتب علي هذا ان دين الله عز و جل كبائر فقط من اجتنبها انقلبت الصغائر التي نهى الشرع عنها الي مباحات من ارتكبها وقعت مكفره ولا جناح عليه و هذه امارة المباحات و هذا سيؤدي إلي اطراح كثير من جوانب الشريعة . و هذا اشكال قوي جدا ....
قالوا و ايضا انتم تحتجون بهذا الحديث الذي أخرجه مسلم و البخاري أيضا من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر " .
لو اجتنبت الكبائر كما تزعمون الصغائر تكفر بدون أي شيء اذن ما مخرج هذا الحديث ؟! أي ما الذي ستكفره لصلوات و رمضان ان كانت الذنوب وقعت مغفورة اصلا بمدلول الاية السابقة ؟؟؟؟!!!!
رد جمهور أهل السنة :
الإشكال الثاني ضعيف لان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الصلوات الخمس مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر " . و هل ترك الصلاة ليس من الكبائر ؟ و كذا رمضان و كذا الجمعة كل هذا ليس من الكبائر ؟ لا بل كل هذا من الكبائر ..
الجمعة : ما ثبت في الصحيحين عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ .
صوم رمضان : معلوم ان صوم رمضان من مباني الاسلام الخمس و هناك اختلاف بين السلف في تكفير المفطر متعمدا في رمضان و ان كان مذهب الجمهور انه لا يكفر و هو الصواب لان الرجل الذي جامع امرأته في نهار رمضان لم يكفره النبي - صلى الله عليه وسلم - و لم يأمره بالشهادة و الاغتسال و ان كان قد اغلظ عليه و قال له : تب الى الله و استغفره و تصدق و اقض يوما مكانه .
و في البخاري من حديث - رضي الله عنه - تَقُولُ إِنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ إِنَّهُ احْتَرَقَ قَالَ مَا لَكَ قَالَ أَصَبْتُ أَهْلِي فِي رَمَضَانَ فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِكْتَلٍ يُدْعَى الْعَرَقَ فَقَالَ أَيْنَ الْمُحْتَرِقُ قَالَ أَنَا قَالَ تَصَدَّقْ بِهَذَا ..
لكن بقى الإشكال الأول قوي جدا ..
*قال الإمام الواحدي رحمه الله صاحب كتاب أسباب النزول :
الكبائر لا يوجد لها حد يميزها عن غيرها من الذنوب لكي لا يقتحم الناس الصغائر فيقع الاستحلال لها و انما اخفيت الكبائر في جملة الذنوب كي يجتهد الإنسان المسلم في اجتناب كل ذنب نهي عنه عسى ان يكون من الموفقين في اجتناب الكبائر .
هل هذا له مثال في الشرع ؟
نعم : اخفيت ليلة القدر في العشر الاواخر من رمضان و اخفي اسم الله الاعظم .. فلها امثلة في الشرع
*ذهب الامام الرافعي و البغوي و هم من كبار الشافعية الي ان حد الكبيرة هي كل معصية اوجبت في الدنيا حدا ..
لكن اعترض علي هذا التعريف بان هناك ذنوب وصفها النبي - صلى الله عليه وسلم - انها من الكبائر بل بانها من اكبر الكبائر مع هذا لا تستوجب في الدنيا حدا .
* في الصحيحين من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنه - قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قَالَ يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ .. و هذا ليس له حد في الدنيا
* و في الصحيحين من حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ . و هذا لا يوجب حدا
التعريف الثاني للكبيرة :
كل معصية توعد على ارتكابها بذاتها - لكي لا يقول أي شخص أن أي ذنب كبيرة - في الكتاب و السنة .
مثال : (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22))
فهذا امر منهي عنه بخصوصة حتى لا تستخدم الأدلة العامة في التسوية بين الذنوب كما فعل الاشاعرة
التعريف الثالث : وهو الجمع بين التعريفين
و هو كل ذنب متبوع بالنار في الاخرة او بالحد في الدنيا و هذا التعريف اخرجه ابن ابي حاتم باسناد لا بأس به كما قال الحافظ في الفتح عن ابن عباس - رضي الله عنه - لكن هذا الاسناد منقطع و هذا هو مذهب الامام احمد رحمه الله فيما حكاه عنه القاضي ابو يعلي
ان الكبيرة هي كل ذنب ختم بالنار في الاخرة او بالحد في الدنيا فنلاحظ هنا ان التعريف جمع بين التعريفين السابقين .
و قال الكليني رحمه الله و هو من الشافعية : هو كل محرم لذاته منهي عنه لمعني في نفسه .
وهنا يتبين ان التعريف فرق بين الخمر المحرم بذاته حفاظا علي العقل التي اتت الشريعة لحفظه و بين الذهب الذي حرم و ليس في تحريمه معني في نفسة و انما لمعني في غيره لانه حرمه للرجال و لم يحرمه للنساء .
قال القرطبي في المفهم : (هام جدا)
الكبيرة كل ذنب ورد نص بكبره او عظمه او توعد فاعله بالعقاب او تعلق به حد او اغلظ النص في النكير على فاعله .
أي ان الكبائر لها علامات :
1* أولها ان ينص الشرع ان هذا الذنب كبيرة او عظيم كحديث السبع الموبقات و حديث ابي بكرة - رضي الله عنه - .
2* يتوعد فاعله بالعقاب مثل حديث ابي هريرة - رضي الله عنه - الذي اخرجه مسلم : صنفان من اهل النار لم ارهما رجال معهم سياط كاذناب البقر يضربون بها الناس و نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنه ولا يجدن ريحها و ان ريحها علي بعد كذا و كذا و هذا يدل علي ان التبرج من الكبائر .
و يتعلق بها وليها الذي تركها متبرجه هو واقع في كبيرة لما روي الامام احمد بسند جيد عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة و لا ينظر اليهم و لا يزكيهم و لهم عذاب اليم العاق لوالديه و مدمن الخمر و الديوس و الديوس الذي يقر الخبث في أهله .
إذن هذه المرأة فاعلة لكبيرة و وليها القائم علي أمرها و قد كلفه الله تعالى بان يحمي نفسه و امرأته من النيران لقول الله تعالى : يا ايها الذين امنوا قوا انفسكم و اهليكم نارا .........الآيات
الحجاب مسئولية ثلاث طوائف من الناس :
أولا : مسئولية المرأة فهي مسئوله أمام الله تبارك و تعالي وواجب عليها أن تطيع أمر الله فقد قصدها الله بالحجاب و نوع اساليب الخطاب .
ثانيا : مسئولية الرجل الذي هو وليها سواء أكان زوجا أو أبا او اخا او ابنا و يقول تعالي : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء : 34]).
ثالثا : مسئولية الحاكم الذي يلي أمر المسلمين ممن سيسأل عن هذا الأمر .فان واجب الخليفة المسلم حراسة الدين و سياسة الدنيا بالدين هذه هي وظيفته . الأمر الذي لا يتم الا بمراعاة الأحكام الشرعية لهذا الباب .
هذا على عجالة و الامر يطول و ليس مقاله ها هنا - و من شاء فليراجع الى كتاب لباس المرأة المسلمة للشيخ الالباني رحمه الله.
3* و كذا من اشد العقوبات اللعن و هو الطرد من رحمة الله كلعن - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث ابن عمر و انس - رضي الله عنه - عند ابي داوود و الترمذي : " لَعَنَ اللَّه الْخَمْر وَشَارِبهَا وَسَاقِيهَا وَمُبْتَاعهَا وَبَائِعهَا وَعَاصِرهَا وَمُعْتَصِرهَا وَحَامِلهَا وَالْمَحْمُولَة إِلَيْهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَاللَّفْظ لَهُ ، وَابْن مَاجَهْ وَزَادَ " وَآكِل ثَمَنهَا " .
حديث مسلم الذي رواه جابر - رضي الله عنه - و عند أصحاب السنن من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لعن الله اكل الربا و موكله و كاتبه و شاهديه .
حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - عند البخاري و هو مخرج عن طائفة من الصحابة منهم ابن عباس و ابا هريرة - رضي الله عنه - : لعن الله النامصة و المتنمصة و النمص هو الاخذ من شعر الحواجب و الواشمة و المستوشمة و الواصلة و المستوصلة و المتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله .
قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث انس - رضي الله عنه - في البخاري : لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال
و عند ابي داوود قال - صلى الله عليه وسلم - : لعن الله الرجل يلبس لبسة المرأة و المرأة تلبس لبسة الرجل .
4* ان يترتب عليها حد كالزنا او السرقة ....
5* ان يشدد في النكير عليها قال شيخ الاسلام : ان ينفي الايمان عن مرتكبها
كقوله - صلى الله عليه وسلم - : والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قالوا من يا رسول الله قال من لا يأمن جاره بوائقه
قال شيخ الاسلام رحمه الله : نفي الايمان و ان كان متوجها في هذه الحاله الي الكمال لكنه نفي للكمال الواجب لا للكمال المستحب فهذا لون من الوان التشديد و النكير من الشرع علي مرتكب طائفة من المعاصي
كقوله - صلى الله عليه وسلم - : لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن و لا يشرب الخمر حين يشربها و هو مؤمن و هكذا ..
* و صورة اخرى من صور النكير ان يتبرأ الله عز و جل عن مرتكبها في كتابه او النبي - صلى الله عليه وسلم - من فاعل هذه المعصية كقول الله تعالى:
(لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28))
* قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ليس منا من لطم الخدود و شق الجيوب و دعا بدعوى الجاهلية .
* انظر الي من يطيلون شواربهم مع قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (ليس منا من لم يأخذ من شاربه)
* أو ما اخرجه أبا داوود عن جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل سرية إلى خثعم فاعتصم ناس بالسجود لكن السرية اعملت فيهم القتل فلما بلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى لهم بنصف العقل (أي الدية) و قال : انا بريء من المسلم يعيش بين ظهراني المشركين فقال : لم يا رسول الله ؟ قال : لا تترائى نارهما ..
* وكذلك حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم من حديث أبى الحمراء - رضي الله عنه - : من غش فليس منا
* وهناك حديث آخر من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - : من غشنا فليس منا
فليس لك أن تغش المسلمين ولا غير المسلمين فالمسلم ليس غشاشا أصلا الا في الحرب فان الحرب خدعة كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -
انظر اليوم الي المراقب الصالح الذي لا يغشش الطلبة هذا معقد و سيء و متوعد بالضرب و الإهانة خارج اللجنة و العكس ..
التعريف الأخير :
تعريف ابو المعالي الجويني و هو ما رجحة الحافظ في الفتح و العز بن عبد السلام ان الكبيرة :
هو كل معصية تشعر بقلة اكتراث مرتكبها بأمور الدين رقيق الديانة .
فكل استهانة بالدين هذه الاستهانة في حد ذاتها من الكبائر
قال العز بن عبد السلام رحمه الله : حتى و ان كانت هذه المعصية ليس منصوصا عليها أو حتى أن كان لم يقع في المعصية أصلا لكنه ارتكب ما يشعر بذلك .
مثال : لو ان رجلا زنا بامرأة في الظلام فلما اتي النهار علم انها زوجته لكان عاصيا لله عز و جل لأنه اقبل علي معصية كبيرة ولا يقام عليه حد الزنا و لكنه اقدم على كبيرة فهذه كبيرة في حد ذاتها.
و لو ان رجلا قتل رجلا اخر و هو يظن انه معصوم الدم ثم تبين له انه بعد ذلك انه مباح الدم لكان عاصيا لله تعالى لأنه اقبل علي ارتكاب معصية لله تعالى..
كقوله - صلى الله عليه وسلم - : المؤمن لا ينجس .. هذا الحديث يدل علي أن المسلم طاهر و هناك معني غير موجود يدل علي أن الكافر ينجس هذا يسمى مفهوم المخالفة أو دليل الخطاب و مفهوم المخالفة أنواع : مفهوم الصفة و العدد و الاستثناء و اللقب و الشرط .....
إذن حين يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : اجتنبوا السبع الموبقات إذن خلاف السبع ليس بموبقة و هذا مفهوم العدد و هو ضعيف في حد ذاته فكيف إذا تعارض مع النصوص الصحيحة ..
* كحديث ابي بكرة - رضي الله عنه - في الصحيحين ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : الإشراك بالله و عقوق الوالدين و كان متكئا فجلس فقال : الا و قول الزور و شهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا لا يسكت و في رواية ليته سكت .
فالبعض قال الكبائر سبع و البعض الاخر قال عشر و الاخر قال خمس عشرة كبيرة ..
*هناك اثرين عن ابن عباس - رضي الله عنه - انه سؤل : الكبائر سبع قال هن إلي السبعين اقرب .. قال الذهبي : و صدق والله ابن عباس - رضي الله عنه -
*و الأثر الآخر صيغة سعيد ابن جبير - رضي الله عنه - أن ابن عباس - رضي الله عنه - حين سؤل هذا السؤال قال : هن إلي السبعمائة اقرب و لكن لا صغيرة مع اصرار ولا كبيرة مع استغفار ..
هذا الأثر يبين أن الإصرار علي الصغيرة يحولها إلي كبيرة فما الذي يطرأ علي القلب نتيجة إدمان هذه المعصية ؟
إذا فعلها في المرة الأولى فعلها وهو يشعر بالخزي ثم يقل الشعور بالخزي شيئا فشيئا و يقل شعوره بقبح المعصية إلي أن يتلاشي هذا الشعور و ربما انقلب إلى شعور بالاستحسان ..
* قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبا هريرة - رضي الله عنه - : إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }
* و في حديث حذيفة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ..
* قال القاضي عياض : على قدر ضئالة الذنب عندك يكون عظمه عند الله عز و جل
فكلما اشتد شعورك بصغر ذنبك كلما كبر عظم هذا الذنب عند الله عز و جل و لهذا حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من محقرات الذنوب .
* اخرج الامام احمد بسند حسن عن سهل ابن سعد - رضي الله عنه - ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إياكم و محقرات الذنوب فانما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود و ذا بعود حتي جمعوا ما انضجوا به خبزهم و ان محقرات الذنوب متي يؤخذ بها صاحبها تهلكه .
25.00

فقد تكفل الله تعالى بهذا النص لمن اجتنب الكبائر أن يدخله الجنة وقال تعالى " والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون " وقال تعالى " والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة " .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر " .
فتعين علينا الفحص عن الكبائر ما هي لكي يجتنبها المسلمون .
فوجدنا العلماء رحمهم الله تعالى قد اختلفوا فيها فقيل : هي سبع .
*واحتجوا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " اجتنبوا السبع الموبقات " فذكر منها: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات. متفق عليه.
*وقال ابن عباس - رضي الله عنه - : هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع وصدق والله ابن عباس.
* وأما الحديث فما فيه حصر الكبائر والذي يتجه ويقوم عليه الدليل أن من ارتكب شيئاً من هذه العظائم مما فيه حد في الدنيا كالقتل والزنا والسرقة أو جاء فيه وعيد في الآخرة من عذاب أو غضب أو تهديد أو لُعِنَ فاعله على لسان نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فإنه كبيرة ولا بد من تسليم أن بعض الكبائر أكبر من بعض. ألا ترى أنه - صلى الله عليه وسلم - عد الشرك بالله من الكبائر مع أن مرتكبه مخلد في النار ولا يُغفَرُ له أبداً قال الله تعالى: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " .