بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي ظهرَ لأوليائِهِ بنعوتِ جلالِه وأنارَ قلوبَهم بمشاهدةِ صفاتِ كمالِه وتعرفَ إليهِم بما أسداهُ إليهمِ من إنعامِهِ وإفضالِه فعلموا أنه الواحدُ الأحدُ الفردُ الصمدُ الذي لا شريكَ له في ذاتِه ولا في صفاتِه ولا في أفعالِه لا يحصي أحدٌ ثناءً عليه بل هو كما أثنى على نفسِهِ على لسانِ من أكرمهم بإرسالِهِ الأولُ الذي ليس قبلَه شيءٌ والآخرُ الذي ليس بعدَه شيءٌ و الظاهرُ الذي ليس فوقَه شيءٌ والباطن الذي ليس دونه شيءٌ الحيُّ القيومُ الواحدُ الأحدُ الفردُ الصمدُ المتفردُ بالبقاءِ وكلُّ مخلوقٍ منتهي إلى زوالِه السميعُ الذي يسمعُ ضجيجَ الأصواتِ باختلافِ اللغاتِ على تفننِ الحاجاتِ فلا يشغلُهُ سمعٌ عن سمعٍ ولا يتبرمُ بإلحاحِ الملحينَ في سؤالِه البصيرُ الذي يرى دبيبَ النملةِ السوداءِ على الصخرةِ الصماءِ في الليلةِ الظلماءِ حيثُ كانت من سهلِهِ أو جبالِه وألطفُ من ذلكَ رؤيتُه لتقلُبِ قلبِ عبدِهِ ومشاهدتُهُ لاختلافِ أحوالِه فإن أقبلَ إليه تلقاه وإنما يكونُ إقبالُ العبدِ عليهِ من إقبالِه وإن أعرضَ عنه لم يكلْه إلى عدوِهِ ولم يدعهُ في إهمالِه بل يكونُ أرحمُ به من الوالدةِ بولدِها الرفيقةِ به في حملِه ورضاعِه وفصالِه .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله القائمُ له بحقِه وأمينُه على وحيِه وخيرتُهُ من خلقِهِ أرسلَهُ رحمةً للعالمينَ و إماماً للمتقينَ وحسرةً على الكافرينَ وحجةً على العبادِ أجمعينَ بعثَهُ على حينِ فترةٍ من الرسلِ فهدى به إلى أقومِ الطُّرُقِ وأوضحِ السبل وافترضَ على العبادِ طاعتَه ومحبتَه وتعظيمَه وتوقيرَه والقيامَ بحقوقِهِ وسدَّ إلى جنَّتِهِ جميعَ الطرقِ فلم يفتَحْ لأحدٍ إلا مِن طريقِهِ فشَرَحَ له صدرَه ووضعَ عنه وزرَه ورفعَ له ذكرَه وجعل الذلَّ والصغارَ على من خالفَ أمرَهُ وأقسمَ بحياتِهِ في كتابِهِ المبينِ وقرنَ اسمَهُ باسمِهِ فلا يذكرُ إلا ذُكِرَ معه كما في التشهدِ والخطبِ والتأذينِ فلم يزل صلى الله عليه و سلم قائماً بأمرِ اللهِ لا يردُهُ عنهُ رادٌ مشمراً في مرضاةِ اللهِ لا يصدُّهُ عن ذلكَ صادٌ إلى أن أشرقَتِ الدنيا برسالتِه ضياءً وابتهاجاً ودخلَ الناسُ في دينِ اللهِ أفواجاً أفواجاً وسارت دعوتُهُ مسيرَ الشمسِ في الأقطارِ وبلغَ دينُه القيمُ ما بلغَ الليلُ والنهارُ ثمَّ استأثرَ اللهُ به لينجزَ لهُ ما وعدَه بِهِ في كتابِهِ المبينِ بعد أن بلَّغَ الرسالةَ وأدى الأمانةَ ونصحَ الأمةَ وجاهدَ في اللهِ حقَ الجهادِ وأقامَ الدينَ وتركَ أمتَهُ على البيضاءِ الواضحةِ البينةِ للسالكينَ وقال : (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف : 108]) . اما بعد :
* روى الشيخان عن حذيفةَ بنُ اليمان - رضي الله عنه - قال : كنا عند عمر - رضي الله عنه - فقال : أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة ؟ فقلت : أنا أحفظ كما قال : قال : هات إنك لجريء وكيف ؟ قال : قلت : سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " فتنة الرجلِ في أهلِه ومالِه ونفسِه وولدِه وجارِه يكفرُها الصيامُ والصلاةُ والصدقةُ والأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكرِ " فقال عمر : ليس هذا أريدُ إنما أريدُ التي تموجُ كموجِ البحرِ . قال : ما لك ولها يا أميرَ المؤمنين ؟ إن بينك وبينها باباً مغلقاً . قال : فيكسر البابُ أو يفتحُ ؟ قال : قلت : لا بل يكسر . قال : ذاكَ أحرَى أن لا يغلقَ أبدا . قال : فقلنا لحذيفة : هل كان عمر يعلمُ من الباب ؟ قال : نعم كما يعلمُ أن دونَ غدٍ ليلةً إنّي حدّثتُه حديثاً ليس بالأغاليطِ قالَ : فهَبْنا أن نسألَ حذيفةَ منْ الباب ؟ فقلْنا لمسروقٍ : سلْه . فسألَه فقال : عمر .
* في رواية لمسلم ان حذيفة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى يصير على قلبين : أبيض بمثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه .
فمنذ موت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتح باب الفتنة على هذه الامة و يزداد اتساعها شيئا فشيئا حتى تنتهي باعظم الفتن الا وهي فتنة المسيح الدجال .
فما هي الفتن التي حذر النبي صلى الله عليه و سلم الامة منها و سماها بالتي تموج كموج البحر ؟
دعونا نبدأ بمفهوم الفتنة لغة : يقول محمد بن ابي بكر الرازي في مختار الصحاح :
الفِتْنَةُ الاختبار والامتحان تقول فَتَنَ الذهب يفْتِنه بالكسر فِتْنَةً و مَفْتُوناً أيضا إذا أدخله النار لينظر ما جودته ودينارٌ مَفْتُونٌ أي مُمتحنٌ وقال الله تعالى : { إن الذين فَتَنوا المُؤمنين والمُؤمنات } أي حرَّقوهم , ويُسمى الصائغ الفَتَّانُ وكذا الشيطانُ .اهـ
الفتنة شرعا : ذكرت كلمةُ الفتنةِ و مشتقاتُ جذرِ هذه الكلمةِ في كتابِ ربنا عز و جل نحو ستينَ مرةً و بمعانٍ و صورٍ مختلفةٍ .
فقد تأتي بمعنى الابتلاء كما في قوله : (....إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ .... [البقرة : 102]) ,
و قد تأتي بمعنى الشرك كما في قوله : (.. وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ .. [البقرة : 191]) , كذلك : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ [البقرة : 193]) ,
و قد تأتي بمعنى الاضلال و الخروج من الحق الى الباطل كما في قوله : (...فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ ...[آل عمران : 7]) يقول ابن كثير في شرحه لهذه الاية :
إنما يأخذون منه بالمتشابِهِ الذي يمكنهم أن يحرّفوه إلى مقاصدهم الفاسدة، وينزلوه عليها، لاحتمال لفظه لما يصرفونه فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه؛ لأنه دامغ لهم وحجة عليهم، ولهذا قال: { ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ } أي: الإضلال لأتباعهم، إيهامًا لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن، وهذا حجة عليهم لا لهم، كما لو احتج النصارى بأن القرآن قد نطق بأن عيسى هو روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وتركوا الاحتجاج بقوله تعالى ( إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ ) [الزخرف : 59] وبقوله: ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) [ آل عمران : 59 ] وغير ذلك من الآيات المحكمة المصرحة بأنه خلق من مخلوقات الله، وعبد، ورسول من رسل الله .أهــ
ولكن أكثر ما تطلق الفتنة على ما يكون فيه بلاء ومحنة ، ينحرف وينخدع بها الكثير من الخلق، ولا يستطيعون مقاومتها، وينحرفون معها. وتلك هي الفتن المضلة التي خشيها النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في الحديث المتقدم و كذا في حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا و يمسي كافرا و يمسي مؤمنا و يصبح كافرا يبيع أحدهم دينه بعرض من الدنيا "[1]
بمعنى أن الرجل إذا جاءته تلك الفتن أو بعضها، انخدع بها وضل وانحرف عن الحق والهدى، وباع دينه بدنياه، باعه بعرض من الدنيا قليل
هذه الفتن تحققت أو أكثرها في ايام الناس هذه ، ولأجل ذلك لا يصبر عليها إلا من ثبته الله ورزقه علما و تقوى .
هذه الفتن التي تعرض على القلب ان اشربها اصيب القلب بالمرض كالبدن سواء بسواء و كما ان مرض البدن له اسبابه فكذلك مرض القلب له اسبابه و هي نوعان :
الشهوات و الشبهات او من زاوية اخرى يمكن ان نقول ان الفتنة التي تعرض على القلب اما ان تكون فتنة شهوة او ان تكون فتنة شبهة و لهذا ذكر ربنا عز و جل اصحاب مرض القلب في كتابه في مقامين لا ثالث لهما حيث قال في سورة البقرة : ( فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة : 10]) و هؤلاء اصحاب مرض الشبهات من المنافقين اصحاب التصور الفاسد الذي يخالف خبر الله تعالى .
اما في الموضع الثاني كما في قوله سبحانه : ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً [الأحزاب : 32]) و هم اصحاب مرض الشهوات مثل شهوة الزنا كما في هذه الاية .
يقول الامام ابن القيم في كتابه الماتع اغاثة اللهفان في هذا المقام :
(لما كان القلب يوصف بالحياة وضدِها انقسم بحسب ذلك إلى هذه الأحوال الثلاثة .. صحيح ومريض وميِّت .
فالقلب الصحيح : هو القلب السليم الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به، كما قال تعالى: ( يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [الشعراء: 88، 89 ]
فالقلب الصحيح : هو القلب السليم الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به، كما قال تعالى: ( يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [الشعراء: 88، 89 ]
وقد اختلفت عبارات الناس في معنى القلب السليم، والأمر الجامع لذلك : أنه الذي قد سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ، ومن كل شبهة تعارض خبره ..فسَلِمَ من عبودية ما سواه، وسلم من تحكيم غير رسوله..
ولهذا يفسر المرض الذي يعرض له تارة بالشك والريب، كما قال مجاهد وقتادة في قوله تعالى: ( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) [البقرة: 10] أي: شك، وتارة بشهوة الزنا، كما فسر به قوله تعالى : (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) [الأحزاب: 32]، فالأول مرض الشبهة، والثاني مرض الشهوة، والصحة تحفظ بالمثل، والشُّبَهُ والمرض يدفع بالضد والخلاف، وهو يقوى بمثل سببه، ويزول بضده، والصحة تحفظ بمثل سببها، وتضعف أو تزول بضده، ولما كان البدن المريض يؤذيه ما لا يؤذي الصحيح: من يسير الحر والبرد والحركة ونحو ذلك- فكذلك القلب إذا كان فيه مرض آذاه أدنى شيء: من الشبهة أو الشهوة، حيث لا يقوى على دفعهما إذا وردا عليه، والقلب الصحيح القويُّ يطرقه أضعاف ذلك، وهو يدفعه بقوته وصحته. [2]اهــ
ولهذا يفسر المرض الذي يعرض له تارة بالشك والريب، كما قال مجاهد وقتادة في قوله تعالى: ( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) [البقرة: 10] أي: شك، وتارة بشهوة الزنا، كما فسر به قوله تعالى : (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) [الأحزاب: 32]، فالأول مرض الشبهة، والثاني مرض الشهوة، والصحة تحفظ بالمثل، والشُّبَهُ والمرض يدفع بالضد والخلاف، وهو يقوى بمثل سببه، ويزول بضده، والصحة تحفظ بمثل سببها، وتضعف أو تزول بضده، ولما كان البدن المريض يؤذيه ما لا يؤذي الصحيح: من يسير الحر والبرد والحركة ونحو ذلك- فكذلك القلب إذا كان فيه مرض آذاه أدنى شيء: من الشبهة أو الشهوة، حيث لا يقوى على دفعهما إذا وردا عليه، والقلب الصحيح القويُّ يطرقه أضعاف ذلك، وهو يدفعه بقوته وصحته. [2]اهــ
قلت : يفهم من هذا ان الشهوة و التي قد يقع فيها العبد لضعف قلبه و ارادته تعمل على نطاق اوامر الله تعالى و نواهيه ( اي في نطاق الشريعة ) .
اما الشبهة و التي قد يقع فيها العبد ايضا لضعف قلبه و قلة علمه فهي تعمل على جانب اخبار الله تعالى و غيبياته ( اي في نطاق العقيدة ) .
فالشهوة مخالفة للامر و الشبهة مكذبة او مشككة في الخبر .
هذان المرضان فَطِنَ لهما أعداء الله تعالى فظلوا يعملون على اثارتهما شيئا فشيئا حتى وصلنا الى هذا المستنقع الاسن الذي نحن فيه الان فاثاروا الشهوات بشتى صورها من نساء و اموال و سلطان و غيره حتى مرضت القلوب و خارت العقول فَسَوَّق اعداء الله تعالى للمصيبة و الطامة العظمى الا و هي فتن الشبهات و التي تصيب المرء في مقاتله اذ المصاب بالشبهة مصاب في اصل تصوره لدين الله تعالى , فزلت الاقدام و اختلفت الافهام و تاهت و حارت الاحلام فوجدنا العجب العجاب ليس من عامة الناس فحسب بل من المنوط بهم الدعوة الى دين الله :
وجدنا من يُثبتُ لمن ادعى الولد و الشريك لله إيمانا بل بلغ الامر الى اتهام من نطق بكفر هؤلاء بالوهابية او بالارهاب مكذبين بذلك صريح القران و ما هو معلوم من الدين بالضرورة بل و الاعجب من هذا وجدنا من ترضى على ابليس و لم يثبت له كفرا لانه كان يعرف ان الله ربه !!
من هذا المنطلق يتبين لك خطورة الشبهة اذ انها تصيب الانسان في منطقة من اخطر المناطق عنده الا و هي منطقة الاعتقاد فبالسيطرة على هذه المنطقة يمكن لك ان تصنع انسانا ممسوخا كالدمية تسيره كيف شئت في اي طريق شئت على اي صورة شئت .
هؤلاء المرضى الممسوخين كثروا و جاسوا خلال الديار و لا أُبرء نفسي فغبار الشبهات اصبح يزكم الانوف و لا املك الا تقرير ربي لدعاة الفتنة و التلبيس اذ يقول : (وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ [إبراهيم : 46]) لكن الله مع من لاذ بجنابه مدبراً معيناً .
و العلاج الوحيد الذي يقي القلب من هذه الامراض هو العلم فالعالم كما رُوِىَ عن سفيانَ قال : العلماءُ ثلاثة :
- عالمٌ باللهِ يخشَى الله ليس بعالمٍ بأمرِ الله .
- وعالمٌ باللهِ عالمٌ بأمر الله يخشَى اللهَ ، فذاكَ العالِمُ الكامل .
- وعالمٌ بأمرِ الله ليس بعالم بالله لا يخشى الله ، فذلك العالم الفاجر .[3]
قلت : فالعلم بالله و بأوامره سبحانه يقيك فتن الشبهات و الشهوات على السواء فهو سفينة النجاة في عصر الفتن .
اما الجهل فصاحبه مشوش الفكر لا يثبت في مواجهة الفتن تأخذه الريح يمنة و يسرة كما وصفه علي بن ابي طالب رضي الله عنه قائلا: ( الناس ثلاثة : فعالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وسائر الناس همج رعاع ، أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم )[4]
فإما ان تكون عالما او متعلما نسال الله ان نكون منهم و اما الثالثة فنسأل الله تعالى ان يعيذني و اياك منهم .
في ظل هذه المتغيرات و تكالب قوى الشر على الاسلام و أهله و كثرة الطاعنين في دين رب العالمين و خيرة رسل الله اجمعين صلى الله عليه و سلم يصبح لزاما فرضا واجبا على كل مَن منَّ الله عليه بالعلم ان يقف مواجها لهذه الهجمة و الذود عن حياض الدين ضد انتحال المبطلين وتحريف الغالين وافتراء المفترين وزور المزورين هاتكا لاستار الكذابين مبينا لعوارهم و فضحهم على رؤوس الاشهاد و أما من لم يصب قدرا من العلم يُمَكِّنه من مواجهة هذا الزخم الهائل من الشبهات فعليه ان يتسلح ولو بالحد الادنى من العلم الذي يقيه و من يعول شر ولوج الفتنة .
و لذا عَقَدتُ العزمة بعون الله تعالى ثم بمعونة اخواني على تعريف المسلمين بماهية الشبهات و كيفية و طريقة اثارتها و طريقة مواجهتها و تفنيدها و الرد عليها سائلا ربي جل و علا ان يتقبلها مني خالصة صوابا لوجهه الكريم و ان يدخرها و يربيها سبحانه عنده الى يوم لقائه مهديا اياها الى والدي الكريمين حفظهما الله من كل سوء و الى اخواني و زوجي و اولادي و ان يجعل ما يقومون به معي في موازين حسناتهم يوم القيامة انه بكل جليل كفيل و هو حسبنا و نعم الوكيل و صلى الله على سيدنا محمد و على اله و صحبه و سلم .
[1] قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 2 / 398 :أخرجه مسلم ( 1 / 76 ) و الترمذي ( 3 / 220 - 221 بشرح التحفة ) و صححه ، و كذا ابن حبان ( 1868 ) و أحمد ( 2 / 304 - 523 ) و الفريابي في " صفة المنافق " ( ص 65 من " دفائن الكنوز " ) من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا . و له شاهد من حديث أنس بن مالك مرفوعا به دون المبادرة ( 810 ) أخرجه الحاكم ( 4 / 438 - 439 ) عن سنان بن سعد عنه .
[2] اغاثة اللهفان من مصائد الشيطان .
[3] رواه الدارمي في سننه ( 1 / 114 ) من حديث محمد بن يوسف هو أبو عبد الله الفريابي، روى له الستة و الدارمي و أحمد ، و قال عنه ابن حجر : ثقة فاضل .
[4] الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي ( 1/49 ، 50 ) .